كتب الشيخ سيدي المختار الكبير الكنتي إلى رئيس أولاد علوش هنون بن بيدَّ جوابا عن مكتوب بعث به في إقراره قومَه بناحية رأس الماء وإيقاع الصلح في ما بينهم وبين التوارق ولفظه:" الحمد الله الذي جعل القلم نائبا عن القدم، ويغني عن مشافهة الكلام فما بفم، والصلاة والسلام على شفيع الأمم، هذا، وإنه من عبد ربه المختار بن أحمد بن أبي بكر إلى عيبة نصحه وأهل وده وأبنائه عموما، وخصوصا السميذع الحُلاحِل هنون بن بيدّ ألف سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد، فليكن في كريم علمكم أن كتابكم العزيز ورد علينا وتلقيناه براحة القبول والإقبال، ثم تصفحته فإذا هو متضمن لإرادة النُّقْلة من وطنكم ومسقط رؤوسكم إلى استيطان رأس الماء، وأخذ الخير لكم من التوارق، فوافى ورودُ كتابكم علينا أمرَ التوارق قد مَرَجَ وشملهم قد تبدد وحرج، مع بُعد دار من يعتمد على عقده، ويعوَّل على عهده، وهو كاوى بن أم بن أك الشيخ، وقد وقع الحرب والموت بين قبائله الذين هم ساعده، ومن في حربه وسلمه يساعده، وقد ورد عليّ كتابه أرسله مستغيثا بي لأعينه في صلح ما بينهم، وشَعْب ما انصدع من بيضتهم، فتعذر ذلك ساعتئذ لموافاته ما وقع بين لبرابيش وإكودرن من الجناية، فاشتغلت بكف أبناء أك أسْعادْ وغيرهم من إولمدن عن غزو البرابيش، حتى أذعنوا لذلك، وانقادوا لما أمرتهم به من الكف قائلين: إنهم معي كالميت بين يدي غاسله. ثم بعثت إلى كاوى آمره بإفراغ الجهد في إصلاح مَن قِبله من إولمدن، ولا يشوشه ما بلغه مما وقع بين البرابيش وأبناء أك أسعاد، فإذا استحكم الصلح الذي يحاول بين قبائله، فليقدم عليّ بنفسه حتى ننظر في أمر العامة وتأمين السبل؛ لأن قبيلة من أولمدن يقال لها اتكيتكاين قتلوا شريفا من قافلة توات، وجرحت القافلة رجلا من إولمدن كسروا فخذه برصاصة، فلا ندري أيعيش أم يموت. وبلغني على ألسنة الواردين أن كاوى أصلح ما بين إولمدن، وبلغني أيضا أنه لم يفعل إلى الآن. والأرض بعيدة. وقد خالف عليه بعض إولمدن وفرّ بقومه إلى أرض السودان، فأعانوه على حرب كاوى، وتحزبوا معه في عدد كثير ومنعة شديدة. فإن أصلح الله البلاد فيما بينها، فإيقاع الصلح فيما بينكم وبين التوارق أمر سهل؛ لأن جميع التوارق عبيدي وطوع يدي، وإن تعذر ذلك، فلا أرى لكم أن تقتحموا على أرض في حال فساد ذات بين أهلها؛ لأن من عجز عن إصلاح نفسه فهو عن إصلاح غيره أعجز. وليس أمر التوارق كأمر العرب؛ لأن العرب يأخذون الديات ويصلحهم بذل المال، بخلاف التوارق فإن الدية عندهم من المحال، والميت إذا مات لا يذكرون اسمه لطغيانهم وتجبرهم، فضلا عن أن يُودَى. وحاصل الأمر أن عيني من ورائكم، وأنتم تحفّظوا على أنفسكم، واستعملوا الحزم في أموركم، حتى أرى التوارق ويروني وأشافههم بالكلام، وأعلمَ ما عندهم، وأنظرَ في حقيقة أمرهم، فيأتيكم رسولي بالأمر الذي لا مرية فيه. وأَحب إليّ بقاؤكم هذا العام في أرضكم، حتى تسكن هذه الفتنة العظيمة، فإذا سكنت كنتم على بصيرة من الأمر، وكنا كذلك على بصيرة من الأمر، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا". كما أن من ينتجع أرض التوارق لابد أن يخضع لقانونهم من حيث الالتزام بدفع مداراة، كما هي أيضا حال القوافل التي تعبر أرضهم وخاصة تلك القادمة من توات ومن تافيلالت. هذا، ولم يؤثر عن التوارق أنهم بايعوا سلطانا إلا ما كان مما استخلصه منهم الشيخ سيدي المختار الصغير الكنتي في النصف الأول من القرن التاسع عشر من عهدٍ لأمير ماسنة الفلّاني شيخ أحمدُ. بل كانت سلاطين الدول التي بسطت نفوذها على المنطقة في جدال دائم مع التوارق. هذا، أيضا، في الوقت الذي بايعت فيه إحدى أهم المجموعات البيضانية في أزواد السلطان مولاي إسماعيل 1056/1139هـ*1645/1727م.