رد: كتاب البرابيش (بني حسان)
أحياء من عبيد السلطان . واحد من هذه الأحياء المسمى كيروني – سيبونغو (3) يوجد بالمنطقة المحاذية لكندام ، وكان يرأسه يوما ما تلاغا البربوشي . ومن السهل فهم أن تلاغا هذا رئيس القرية – إن كان النص صحيحا – كان بربو شيا ، أو على الأقل حفيد البرابيش القاطنين على ضفاف النهر الذين بقوا في خدمة الأسكيا من إمبراطورية الصونغاي . أما العبيد الزنج كما يوحي أسمهم ، فليسوا إلا شوا رد من الزنوج ، جمعوا من هنا وهنالك ، وأستخدموا في هذه المنطقة التابعة للمتلكات السلطانية .وفي الحقيقة ، فإن دراسة هذا النص العربي في عين المكان ، قد سمحت بالتعديلات التالية : فالمعني ليس تلاغا البربوشي بل تلافي بن بوشي . وبذلك تسقط الحجة البديلة هي الأصح . والروايات الحالية عند البرابيش ، لا تؤكد إلا قليلا ، وجود أجداد لهم وسلف من البربر
ولا يوجد لدى هؤلاء المستعربين افتخار بهذه الأصول البربرية . ومع ذلك فعلينا الاعتراف بأن كل البرابيش الذين هم من الدرجة الثانية اجتماعيا ، ليسوا إلى أتباعا . وهم مستقلون كثيرا عن بقية الأفخاذ الذين نعرف أنهم من أصول عربية . وهؤلاء الاتباع مختلطون كثيرا بغيرهم ، مما يتميز عند الاستماع إلى لغتهم ، الممتزجة بالكثير من لغة زناقة ، وهم يسكنون عادة بالقرب من تمبكتو وعلى ضفاف النهر وفي أزواد .
ـــــــــــــــــــــ
( 1) وهذا اللفظ أخذناه من مثقفي كندام ، بدل اللفظ الوارد في ترجمة هوداس . ودلافوس الذي يجعل الاسم ((كيروني – بولونغو))
-----------------الصفحة 16 ---------------------
وهذا كله يسمح لنا بالجزم أخيرا بوجود قبيلة بربرية ، قبل البرابيش ، انضمت نهائيا بمرور الزمن مع العرب المنتصرين عليها ، وتعربت كثيرا بانضمامها إليهم كما اعتنقت الإسلام كلية . ولنر الآن الهجرات العربية الغازية : لقد قامت العصائب الأولى من العرب ، وهي أولاد حم بن حسان بهذه المهمة ، في الأراضي الواقعة في قلب الصحراء . ونعرف حسب المتفق عليه والروايات التاريخية الموريتانية ، أن حسان – المثال الحي للمهاجر العربي الغازي والذي كان بجنوب المغرب – كان له ثلاثة أبناء : أدليم وأودي ، وحم ( القرن الخامس عشر ) .
وأختص أدليم وأبناؤه وأتباعه وذراريهم بشاطئ المحيط الأطلسي ، ووادي الذهب الحالي ، حيث ما يزال الانتجاع قائما لأولاد أدليم . وأختص أودي وذووه بموريتانيا والساحل السوداني ، حيث ازدهرت شعب (( فودي بوبولي )) الوارد في خارطة غيليو صانتو ، حيث ما تزال قبائل حسان المنحدرة منه تنتجع هنالك . وأختص حم ، بقلب الصحراء ، من أكيدي إلى نهر النيجر . وكان لحم بن حسان خمسة أبناء : شبل ، عمران ، سعيد ، غنام ، وعكرمة .
وكان شبل جدا لقبيلة أولاد شبل التي كانت تحتل آدرار (الموريتاني ) والتي تفرقت وتنتشر الآن من النيجر إلى توات . وأولاد غيلان الموجودون هنالك حاليا ليسوا سوى بقية من أولاد شبل . وكان سبب إبعادهم من آدرار أنتصار أبناء عمومتهم عليهم
--------------- الصفحة 17 ------------------------
وهم : أولاد رزق بن أودي
وقد استولوا على نخيلهم وممتلكاتهم ، وفقدوا أربعمائة من رجالهم بينهم ((بن حوا )) الذي لم يتمكن أحد من العثور عليه ومعرفته ضمن القتلى . وهكذا غادر معظم أولاد شبل آدرار مصحوبين بأبناء عمومتهم أبناء عمران وسعيد وغنام ، وعكرمة (1) .
وبقيادة بربش وهو إبن غير محدد من أبناء حم انتقل هؤلاء إلى أزواد في نهاية القرن الخامس عشر وأواسط السادس عشر ، وكانوا أولى العناصر التي عربت إيموشاكن (2) . وهؤلاء البرابيش ، أو أهل بربش ، هم الذين تتحدث عنهم كتب تاريخ السودان ، وعندما نزور اليوم أحد أفخاذ البرابيش ، مثل أولاد عمران ، وأولاد سعيد أو أولاد غنام ، نرى أن الأصل التاريخي معروف لديهم حيث يكون ردهم : (( نحن ذرية عمران بن حم ، أو ذرية زيد بن حم أو ذرية غنام بن حم . وإخوتنا أبناء شبل ، قد تفرقوا ، فأنضم منهم البعض إلى قبائل أخرى . أما أولاد عكرمة ، فقد انضموا إلى أولاد غنام )) . ولكنهم لا يعرفون أكثر من ذلك . ولا يمكنهم تحديد زمن هجرتهم ، أو حروبهم مع أولاد رزق .
ـــــــــــــــ
( 1) يعتمد المؤلف – فيما يبدو – في نصه ، ابتداء من توزيع أبناء حسان على كتاب الشيخ سيدي المختار عن أنسب عرب بني حسان ، ما يزال مفقودا غير أنه بحوزتنا نبذة صغيرة منسوبة إليه . (المعرب )
(2) يطلق الكتاب العرب على هذا الاسم مقشرن ، وهم الطوارق الذين كانوا أول من بنى تمبكتو ورغم إن المؤلف يذكر ذلك في حديثه الآتي عن أروان فلم يدرك أن الاسمين هما لمسمى واحد . ( المعرب )
-------------- الصفحة 18 -----------------------
ولدينا من جهة أخرى عن طريق مار مول ، معلومات عن ( أولاد بريوس ) كما يسميهم ، ويؤكد بالتالي ما كنا قد ذكرناه . وهذا نص مارمول : (( تتفرع من أولاد حسان سبع سلالات هي : أدليم ، بربوس ، فودي ( أودي ) ، الرحامنة ، أعمر ، أبو منصور ، أبو عبد الله . ويسكن أولاد بربوس أيضا في الصحراء الليبية في اتجاه السوس الأقصى الذي هو أبعد حد لسلطنة المغرب . ومع كثرة عددهم ، فهم فقراء بالرغم من وجود قطعان من الإبل لديهم ، وقد كانوا يوما ما سادة مدينة تست النوميدية )) . بهذا يتأكد الأصل العربي الحساني للبرابيش وسنرى من خلال النص التالي لمارمول أن أولاد رحمون هم أخوة لهم ويقطنون معهم مدينة تست نفسها ، والتي لا يمكن أن تكون تيشيت . والكاتب يجعل موقع هذه في نوميديا والتي هي بالرغم من بعض التحديدات الدقيقة ، تعتبر عادة لدى مؤلفي ذلك العصر هي بلاد النوميد أو سكان البادية . ونرى تحت تاودغوست ( أو أوداغوست ) مكانا يحدده المؤلف موقعا لنوميديا هذه في الوقت الذي نعرف فيه أن الحاضرتين متجاورتان . وتحدد خريطة صانون دابفيل الملحقة بكتاب مارمول ، موقع البرابيش بدقة في بداية القرن السابع عشر . فهو يخصص ((للشعب )) البربوشي ، المناطق العليا من الصحراء فوق (( شعب فودي )) ( أبناء أودي ) ، الذين خصص لهم غرب تست (( تيشيت )) . ويذكر مارمول أيضا في حديثه (( أن مساكن نون ( قصور وأدنون ) تعاني كثيرا من غزوات عرب الصحراء المسلمون بيربش ))
--------------- الصفحة 19 -----------------------
ويضيف في فقرة أخرى قوله (( إن تست ( تيشيت ) قرية صغيرة أقامها الأفارقة السابقون في أحياء البربش )) . وهنا نصل إلى المرحلة الثانية من الهجرة العربية التي قام بها ذراري رحمون بن رزق ، بن أودي ، بن حسان . ويقول مارمول : (( إن الرحامنة ، يعيشون في الصحراء ويعودون شتاء إلى تست ، وكانوا يشكلون فيما مضى أكثر من عشرة آلاف مقاتل ، بينهم سبعمائة فارس ، وقد نقلهم الشريف محمد الذي استعان بهم لاحتلال تست ، إلى بربريا ، مكافأة لهم )) (1) .ومن المفيد أن نشير إلى أن الهجرة الأولى لأولاد عبد الرحمن إلى الصحراء الوسطى ، لم تترك أثرا يذكر في الروايات المحلية . أما بعد ذلك وفي حوالي 1580 ميلادية ، وحسب الروايات المتداولة من قبل العارفين والموروثة عن المهاجرين الغزاة ، فإن الهجرة الثانية تركت صداها حتى الآن . فقد قام أولاد عبد الرحمن ، حسب كتاب
ـــــــــــــــــــــ
(1) أنشئت مدينة تيشيت التاريخية وهي اليوم جزء من ولاية تكانت في أواسط موريتانيا ، في القرن الثاني عشر الميلادي ، من قبل الشريف عبد المؤمن جد شرفائها . وقد أصبحت من ذلك التاريخ حاضرة ثقافية وتجارية ، كانت تضاهي شنقيط . وقد انتقل جزء من سكان وادان إليها ، ثم انتقل معظم سكانها إلى ولاته التي عمرت بدورها تمبكتو التي كانت وريثة لها . وهذه الهجرة من الشمال إلى الجنوب ، تعود في معظم الأحيان إلى الجفاف والتصحر ، الذي تتأثر منه المناطق القريبة من الصحراء شمالا ، ثم ينتقل ببطء إلى الجنوب ومعه السكان . انظر عن منشأ تيشيت ، كتاب المؤرخ الكبير المختار ولد حامد . ( المعرب )
--------------- الصفحة 20 --------------
الحوليات بعد احتلال العقفة من قبل المغاربة (1591 م ) ، بالوصول إلى المنطقة . ومن المؤكد أن الذي عناه تاريخ السودان في ، الفقرة التالية ، هي أحياء الرحامنة ، المتجهة إلى الجنوب الصحراوي ، والتي تحدد خريطة صنصون (1665 م ) موقعها جنوب تافيلات وشرق درعة .
(( لقد أرسل قاضي تمبكتو ، عمر سنة 1592 م ، سفارة إلى السلطان مولاي أحمد الذهبي ، سلطان المغرب ، ليحقق في أمر دخول سكان المدينة في ثورة على القوات الشريفية ، وأثناء عودة السفارة من فاس ، ووصولها إلى تغازة ، علم قائد الحراس المرافق ، القائد بوختير ، وهو مرتزق مسيحي ، بانقلاب السلطان عليهم . فأطلع شمس الدين رئيس السفارة على الأمر ونصحه بالنجاة بنفسه عن طريق الهرب ، (أواخر 1593 م ) . ولجأ شمس الدين عندئذ إلى عيسى بن سليمان البربوشي ، رئيس أولاد عبد الرحمن الذي كانت مخيماته آنذاك خلف تغازة
ووضع نفسه تحت حمايته طالبا نقله إلى مدينة ودا . وقد أوصله الزعيم نفسه إلى المدينة التي بقي بها حتى عودة عالم تمبكتو أحمد بابا من محنته في مراكش ، حيث أرسل إليه فجاءه في تمبكتو )) . وبذلك يتضح أن البرابيش كانوا يحتلون في نهاية القرن السادس عشر الأراضي
المتواجدين اليوم بها ، وأنهم لم يهاجروا منها كما فعل عدد من جيرانهم مثل كنتة . وأن حمايتهم كانت كافية للسلامة من غضب المخزن الشريفي في الشمال ، أو غضب باشا تمبكتو في الجنوب .
---------------الصفحة 21------------------------
وبعد ذلك بعدة سنوات ، قام رئيس البرابيش الفلالي بن عيسى الرحماني البربوشي القاطن قرب تمبكتو ، بإجراء أقل شرفا من سلفه ، حيث سلم الباشا المخلوع الذي أستجار به ، وهو علي ابن عبد القادر . (( فقد سلمه بنفسه في تمبكتو للقاضي ، طالبا منه التوسط لدى الباشا الجديد لصيانة حياته )) . ولكن سيد المدينة الجديد أعدمه ، وعلق الجثمان في السوق ( يوليه 1632 م ) . ونفس هذا الباشا هو الذي غزاه الزعيم البربوشي في العام الذي سبق ذلك بالقرب من أتوات ، بينما كان متجها إلى مكة قصد الحج . وقد لجأ الباشا المغدور ليلا ، إلى خيمتي صالحين كانا برفقته . (( وقد ترك له المهاجمون حياته أحتراما للرجلين الصالحين ولكنهم قتلوا عددا من جنوده )) . واضطر الركب الحاج إلى العودة إلى تمبكتو ، ولم يتخلص الباشا من الحجز إلا بدفع غرامة مالية كبرى . ولم يتصرف الخليفة ولد سيدي محمد ولد أمهمد ، رئيس البرابيش الثائرين [ على الفرنسيين ] سنة 1916 م ، بأفضل من سلفه أما الهجرة الثانية فهي أحدث من ذلك ، وقد جرت قبل سنة 1650 م بقليل وسنورد هنا كيف تمت حسب ما جاء في تاريخ البرابيش .
لقد قام رجل صالح من الرحامنة هو أبو مخلوف بالهجرة إلى أزواد ، في أواخر حكم السلطان مولاي أحمد الذهبي ( إذن حوالي 1603 م ) ، باحثا عن الوفرة في الرزق والحياة الأفضل . وكان ذلك بعد الهجرة الأولى بثلاثين أو خمسين سنة ، ونجاح المهاجرين الأوائل في تحقيق مآربهم
|