01-29-2012, 11:44 AM
|
#54
|
مراقب عام القسم الأدبي
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 32
|
تاريخ التسجيل : Feb 2009
|
أخر زيارة : 06-03-2016 (12:32 AM)
|
المشاركات :
780 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
رد: فصول من حياتي
المرحلة السعودية.
كنت في جلسة هادئة مع الأخ العزيز مظدا بن محمد جمعني الله وإياه في مستقر رحمته نحتسي معتق الشاهي الأخضر الذي مازلت مدمنا لشربه حتى الآن وقدقلت فيه:
هز الهوى عطفي كغصن الآس = فتصعدت لنزوله أنفــاسي
بث الرسائل في الحشا متواريا = في دجن ليل ذي هموم عاس
إني أعيذك من تسلط مابنـا = منه ومن شيطانه الوسـواس
فإذا أذان الهم صرخ داعيـا = وأتى وخيم عنوة في الرا س
فأزل قناع الهم عنك بأخضر = فهو السبيل لخطف هـــم راس
فهو الذي عهدي به أرمي به = خدع الزمان الضاحك العباس
فمتى ترقرق في الكؤوس تسلسلت=شوقا إليه أحادث الجـلاس
عن نكهة يروون عن بــراده = عن طعمه عن شربه عـن كاس
عن أول عن ثان أو عن ثالث = ما دام يحلو في مذاق الحــاس
فهو الغبوق هو الصبوح بمالنا = نَشريه عن جدة وفي إفـلاس
و إذا تقدم قبل حسو (طنجة ) = وافقت فعل السادة الأكياس
****
ومعنا مجموعة من شباب كل (تجلالت) ننشد الأشعار, ونتغنى بسينية البحتري, وكنت طروبا أرتاح إلى الصوت الجميل, وتطربني نغمات السوقيين بالشعر, ولا أجد في نفسي نفس الميل للغناء الحرام, وقد تربينا على أن الغناء ينبت النفاق في القلب, وادركنا أن شيوخنا لايسمحون بآلات اللهو, ولايقبلونها بحال, ومن الذكريات التي طبعت في ذاكرتي حتى اليوم أن معلمي محمد الأمين بن محمد, جاءه وفد حاشد من المغنين وفي مقدمتهم زعيمهم في البلد (إخن) و كان برفقة والده سيدي فأكرمهم وأحسن وفادتهم وأجازهم بمبلغ من المال يحمي به عرضه, لأن بعض العلماء لم يجر حديث (احثوا في وجوه المداحين التراب ) على ظاهره وتأولوا (التراب) على أنه كناية عن المال قال الشاعر:
وكل الذي فوق التراب تراب
والمال حقير في مقابلة العرض , فمعلمي ممن يرى قطع لسانهم بما يحمي عرضه , ويبعد عنه أذى هجائهم .
فحصل لهم نوع من الفرح بذلك, فأخذ (إخنِ) العود وبدأ يعزف ويغني فقال له الشيخ ما ذا تفعل فقال عادتنا أننا إذا أكرمنا في مكان غنينا وأظهرنا الفرح بذلك, ونوهنا بمحاسن من أحسن إلينا.
فقال لهم الشيخ ونحن أيضا من عادتنا أن مساجدنا وبيوتنا لايسمح فيها بالغناء فلكم عادتكم ولنا عادتنا.
فخرجوا من الحي غاضبين, وهذه قصة معروفة ومشهورة لدى الناس.
وأنا في تلك الحال مع أصحابي إذ جاءتني رسالة من ابن خالتي الأخ مسوسي بن محمد عام 1407 هجري / 1987م يطلب مني الذهاب إلى الجزائر لأخذ الوالدة منها ومما أذكره من طرائف هذه الرحلة أننا انطلقنا من قرية (تنظواتن) الجزائرية في رحلة شاقة وفي شاحنة يصم ضجيج محركها الآذان, وكنت أنا ومجموعة في الصندوق وفيه عدة براميل بنزين, فاعترض سبيلنا قطيع من الغزلان فتحركت نهمة السائق إلى الصيد فأدار المقود وانطلق وراءها في ميادين صحراوية تصلح للمطاردة والسباق ولكن المشكلة في البراميل الرابضة بجوارنا فكلما أدار السائق المقود تحركت البراميل واتجهت إلينا فنهرب منها في زوايا الشاحنة وهكذا دواليك إلى أن ند أحد الغزلان عن القطيع فأخذنا مافي السيارة من الحطب وجعلنا نرميه به إلى أن انتهى الحطب وتم ذلك بدون علم السائق وبعد جهد وخروج من الطريق الصحراوي العام صدنا الغزال , وبحث السائق عن شجرة مناسبة للمقيل وهيهات فالصحراء الجزائية شبيهة بالربع الخالي أغلا شيء فيها الشجر فكانت الشاحنة هي ظلنا ومقيلنا وذهب السائق ليشب النار ويأخذ الحطب الذي رميناه في احشاء الصحراء فلم يجد له أثرا في الصندوق وسأل عن السبب فأخبرناه فسب وشتم وتضجر وزمجر, وهدد وتوعد فتدخل بعض المسافرين وحل المشكلة وتم المراد ولله الحمد.
وكنت على (نية) العودة إلى (كل تجلالت) ولكن الوالدة أصرت على الذهاب إلى مكة لأداء فريضة الحج معها وطوي عند ذلك ملف طلبي للعلم هناك.
ومن هنا يتضح السر في أن الخالق لا يوصف بأنه (ناو) أو (عازم) لأنه لا يعجزه شيء بخلاف العبد فإنه يحيط به سور العجز والإقدام والإحجام.
والحديث عن هذه الذكريات الغاليات ترتاح إليه النفس وأحلى الأحاديث عندي حديث يحلق بي في أجواء زمن الشباب وفاء لتلك الأيام الخاليات فالوفاء أخ شقيق للشرف فعندما نكون للوفاء يكون لنا وحين نكون لتك الأخلاق حصنا منيعا تكون لنا جنودا طا ئعين فلولا خشية الملل وخوف تخطي رقاب المألوف وتسور محراب العادات لاستفضت في هذا الحديث ممتشطا ناصية فلوات تلك الذكريات ورافعا القناع عن كل شاردة وواردة في هذا الموضوع مما لي أوعلي.
وبعد ستة شهور من قدومي من الجزائر اتجهت إلى السعودية لأداء العمرة ووصلنا إلى مطار الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن في جدة عام 1989م وهالني مارأيت من الجمال الباهر والوجوه النيرة والمكان النظيف والترتيب الرائع وأجمل من هذا كله أن الجميع عرب فقد كانت الأشهر التي قضيتها في عاصمة النيجر (نيامي) وكنت فيها غريب الوجه واللسان ووجدت نفسي بين أعداد أعرف ما يقولون ولا أجد نفسي بينهم تشتكي من نفس ما تشتكي منه من الغربة في بلدي (مالي) وقد يستغرب المرء مني هذا ولكنني في حالة بيان وضع نفسي انطبع في ذهني ذاك الوقت وتكلم به لساني بعد عشرين سنة فكان دينا علي أن أبوح بما اعتلج في النفس وتلجلج في الصدر في تلك المناسبة فلله الحمد لست عنصريا ولا أبيض أنا أميل إلى السمارة والبويا عندي أصلي ولكنه حرام أن يموت هذا الانطباع ويوأد في جدران الذاكرة دون البوح به.
بين الصوفية والوهابية.
ثم انطلقنا إلى مكة لأداء العمرة وكان السائق يرد علينا كلما كاسرناه في سعر أجرة سيارته بقوله: صل على محمد صلى الله عليه وسلم وهذا انطباع ثان ليس أقل من الأول حيث أنني في بلد يموج بالتصوف وبنقد مايسمونه(الوهابية) ويقولون عنهم بأنهم لايصلون على النبي وأشهد أن شيخي العتيق لايقبل هذه الأقوال على من صدرت منه كائنا ماكان ولكن عامة الناس يلوكون هذه الفرية فقلت بيني وبين نفسي إذا كان الرجل الحليق - وكان حلق اللحية في القبائل السوقية لايقبل بحال - يقول هذا الكلام ويأمر بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف بالعلماء الكبار ورغم أن ذاكرتي ضعيفة وقد عانيت من أثر ذلك في هذه اللمحة إلا أنها أبقت على كلمة هذا السائق لتضاف إليها عن قريب مثيلات لها آذنت بإيجاد شروخ في جدار التقليد الذي حولني وحول غيري إلى جهاز يشتغل عن طريق(الريموت كنترول) ولايملك أن يمارس مهام تفكيره بصفة ذاتية وفردية وصار العقل منزوع القدرة والصلاحية في أن يفكر بل هو مجرد مستقبل فقط وإذا تجاوز الطالب ذلك فالويل له والثكل لأمه عند زعماء التقليد وسلاطين الخرافة وملاك السلب وخزان القبض والبسط.
ولم أقرأ شيئا من كتب الصوفية سوى كتاب (شواهد الحق, في الاستغاثة إلى سيد الخلق) ليوسف النبهاني, ولم يكن الهدف من القراءة من أجل الاطلاع على فكرة الكتاب, كلا, بل كان السبب أنني رأيت فيه قصيدة جميلة فأخذت الكتاب من أجل القصيدة, وأذكر منها قوله:
وصلنا السرى وهجرنا الديارا ... وجئناك نطوي إليك القفارا
أتيناك نحدو البكا والركابا ... ونبعث إثر القطار القطارا
إذا أخذت هذه في الربى ... صعودا أبى ذلك إلا انحدارا
وإن فاض ماء لفرط الحنين ... ورجع حادي السرى عاد نارا
كأنا به وهو يجري دما ... وقوفا على الخيف نرمي الجمارا
أتيناك سعيا ننادي البدارا ... إلى سيد المرسلين البدارا
إلى أشرف الخلق في محتد ... وأحمي جوارا وأعلى نجارا
إلى من به لله أسرى إليه ... وما زاغ ناظره حين زارا
ولما نزعنا شعار الرقاد ... لبسنا الدجى وادرعنا النهارا
نميل من الشوق فوق الرحال ... كأنا سكارى ولسنا سكارى
نجافي عن الطيف أجفاننا ... فلا نطعم النوم الاغرارا
ونسري مع الشوق أنى سرى ... ونتبع حادي السرى حيث سارا
ونسئل والدار تدنو بنا ... عن القرب في كل يوم مرارا
وما ذاك أنا سئمنا السرى ... ولكن دنونا فزدنا انتظارا
إذا البرق عارضنا موهنا ... حسبنا سنى طيبة قد أنارا
فنفري بأدرع تلك النياق ... أديم الفلا غدوة وابتكارا
ونرمي بهن صدور الفجاج ... كانا نشن عليها مغـــــارا
ثم امتدت بي القراءة إلى معرفة سبب تأليفه وهو التشنيع في الرد على ابن تيمية والتركيز على ما يرى أنه أخطأ فيه وكذلك الرد على قصائده, وغير ذلك.
ولا ننسى أن النبهاني عالم فلسطيني متأخر جدا توفي عام 1350هـ = 1849 – وكان صاحب دعوى عريضة رحمه الله يأتي بأشياء من دماغه, ولايحترم القارئ حيث أنه يأتي بقول المخالف على أنه باطل محض, وبرأيه على أنه هو الحق.
ومن العجائب أنني قرأت قبل ذلك كتابا عن سيرة الخميني وكتبا للشيعة فيها الكثير من القصص المكذوب على الصحابة ووجدت فيها شحنة سخطية على أهل السنة بشكل غير عادي وأنتهيت من قراءة هذه الكتب وأحس بأن مؤلفه يكاد يحمّل أي سني في المعمورة دم الحسين رضي الله عنهما, وكانت هذه الكتب سببت لي صحوة تبين لي من خلالها خطأ الكثير من العبارات التي مررت بها في كتب الأدب وهي عبارة عن شرح لما أجمل فيها والله المستعان.
وكتاب فضائح الصوفية للشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق .
وفي الجانب الآخر اطلعت على كتاب (مفاهيم يجب أن تصحح) لعلوي مالكي , وقد اطلعت أيضا على القصائد التي دارت بين الشيخ الداعية عبد الله بن المحمود المدني والشيخ محمود بن محمد الصالح الجلالي , وكان الدفتر الذي جمع فيه الشيخ العتيق جميع مادار بين الشيخين , لايسمح لنا بقراءته ولا بالاطلاع عليه , لأن نقاشهما اتسم في آخر مراحله بالخشونة والحدة , ولذلك امتنع شيخي العتيق من انتشار الكتاب بين الناس .
ولم أتلق في فترة دراستي تلك أي دروس في الفكر الصوفي إطلاقا, وكنت أعجب من ذلك اليوم حيث أن قومنا يدافعون عن المتصوفة, وعن الفكر الصوفي , ولكنهم لا يعقدون له دروسا, ولا يبنون على هذه القناعات التي يريدون الناس أن يعر فوعها أسا وهذا من العجائب.
|
|
غــدا أحلـــــــى .. لاياس ... لاحزن.. لا قنوط من رحمة الله.
التعديل الأخير تم بواسطة السوقي الخرجي ; 02-01-2012 الساعة 09:59 PM
|